(يا أيُّها النّاس إنّا خَلَقْناكُم مِن ذَكَر واُنثى وجَعلْناكُم شُعوباً وقبائِلَ لِتَعارَفوا إنّ أكرَمَكُم عندَ اللهِ أتقاكُم ). ( الحجرات / 13 )
هكذا فإنّ الحياة البشرية ألفة ومحبّة وتعاون .. ولا خير في مَن لا يألف الناس ، ولا يألفونه ، فمثل هذا السلوك الانطوائي والعزلة والابتعاد عن الناس يكشف في بعض جوانبه عن إحساس هذا الشخص بالنقص ، وعدم الثقة بالنفس .. والمعاناة من عقد نفسية ، تحول دون تكوين علاقات انسانية ناجحة مع الآخرين المؤهّلين لهذه العلاقات الطيِّبة ..
فالإنسان الاجتماعي المنفتح الذي يكوِّن علاقات انسانية مع الآخرين .. علاقات صداقة وروابط ، ومشاركات اجتماعية ، هو إنسان يملك الثقة بنفسه .. وذو سلوك صحِّي .. إنّه يشعر بالسعادة والارتياح في علاقات الصّداقة السّليمة ، عندما يمنح الآخرين حبّه وثقته وإخلاصه ، ويُبادله الآخرون مثل هذه المشاعر والأحاسيس الانسانية .. فيما تُولِّد العزلة والحالة الانطوائية في كثير من الأحيان ، الكآبة ، والتوتّر النفسي والقلق ..
إنّ الصّديق يدخل في علاقات وُدٍّ مع أصدقائه .. من الأحاديث المسرّة والمرح والمشاركة الرياضية ، أو تبادل المعلومات ، أو العون المادِّي ، أو العمل الانتاجي المشترك ، أو المساهمة في خدمات إنسانية أو اصلاحية مشتركة .. فيشعر بالرِّضا أمام نفسه ، وأمام ربّه سبحانه ، وأمام الآخرين .. ويستطيع عن طريق العلاقة بالأصدقاء الطيِّبي الخُلق والسلوك أن يُعبِّر عن طاقاته
ومشاعره الأخوية ، ويكوِّن جوّاً نفسياً مريحاً وسعيداً ..
والصّديق كما يكسب من أصدقائه بعض صفاتهم الطيِّبة ، وكفاءاتهم الإبداعية ، ولباقاتهم الحسنة ، ومعلوماتهم الثقافية ، فإنّهم يستفيدون منه أيضاً ، فيستطيع عن طريق الصّداقة أن ينفع الآخرين ، وينقل اليهم خبراته ومعارفه وحُسن خُلقه وأفكاره النافعة .. فيشعر بقيمة شخصيّته ، وبالثقة بنفسه ، فإنّه يكتشف ذاته وشخصيته من خلال العلاقة بالآخرين ، وقدرته على التعامل معهم ، والتأثير الحسن بهم .. فتتجسّد أمامه قدرته التي يحتاجها الآخرون .. وكلّ ذلك يبعث في نفسه الرِّضا والإرتياح والثقة ..